عادل بطرس: في ذكرى جاسم البحر

اعترض جاسم البحر على التسوية المعروضة على البنوك الدائنة، لأنه رأى فيها اجحافاً بحقوق الدائنين، ولكن ما حيلته في هذا القرض المشترك الذي يشارك فيه 14 مقرضاً غيره جميعهم موافقون على التسوية، ربما لخشيتهم من عدم تمكن المدين من سداد القرض، أو ربما لأنهم حسبوها من وجهة نظر اقتصادية، فالحصول على الدين، ولو منقوصاً، خير من الانتظار لمدد طويلة قد تنتهي أيضاً إلى النتيجة نفسها. وحتى يخرج من حيرته هاتفني في مكتبي وسألني سؤالاً محدداً: هل في استطاعته قانوناً أن يعترض على هذه التسوية رغم أن الشركة التي يمثلها لا تملك إلا نسبة ضئيلة من القرض؟ فقلت له على الفور: نعم، في استطاعتك ان تعترض وأن تمتنع عن الاشتراك في التسوية حتى لو كان دينك يمثل ديناراً واحداً في هذا القرض، فالأموال المرهونة تظل مرهونة وضامنة للدين مهما بلغ مقداره. فقال: على بركة الله. وفعلاً، أعلن اعتراضه على التسوية فأسقط في يد المدين وفي يد الدائنين الآخرين الذين أرادوا أن ينهوا هذه المشكلة في أسرع وقت ليتفرغوا لما هو أهم منها بنظرهم، فما كان منهم سوى ان بدأوا يتفاوضون مع المدين على رفع قيمة المبالغ التي سيسددها في هذه التسوية، وبالفعل نجحوا في رفع المبلغ المعروض للتسوية بنحو أربعة ملايين دولار أميركي ومع الإلحاح قَبِل جاسم البحر هذه التسوية، بعد أن حقق للدائنين، ومنهم شركته، هذا المكسب الكبير. ولقد كان نجاح جاسم البحر في إدارة شركاته يثير الاحقاد عليه، فتكتل خصومه وقتها واتخذوا من الصحف وسيلة للهجوم عليه! فما زلت أذكر أنه كان يطلبني في الصباح الباكر كل يوم تقريباً حينما يقرأ الجريدة فيجد فيها هجوماً عليه، فيقول لي هل قرأت تلك الجريدة إن فيها هجوما كذا وكذا، فأسارع إلى قراءتها، وفي الحال أكتب الرد عليها ثم ارسله إليه بالفاكس وأطلبه لأعرف رأيه في الرد فأجده مرتاحاً سعيداً بهذا الرد ويقول لي عبارة واحدة لم تتغير أبداً «برّدت كبدي». ويتكرر هذا المشهد كل يوم تقريباً، فكل يوم تهاجمه الصحف، وكل يوم يرد عليها، وكل يوم نرفع له دعوى يحكم فيها بتعويض لا يقل عن ألفي دينار، فيأخذ الشيك ويصوره في شكل بوستر كبير يعلقه على جدران الطرقات في الشركة – وكان من أهم خصاله أنه يشرف على كل عمل بنفسه، سواء داخل شركاته أو خارجها، حتى الأعمال القانونية التي يباشرها محامون مستقلون، فقد كان حريصاً على عقد اجتماع أسبوعي يحضره جميع المحامين الموكلين في قضايا الشركات التي يشرف عليها فيستعرضون معه القضايا المنظورة ليقف على ما تم فيها، وإذا تيقن أن النزاع القضائي لن يسعفه فإنه يستخدم علاقاته الاجتماعية المتشعبة ليحل النزاع ودياً، ولقد اصبح الاجتماع الاسبوعي للمحامين تقليداً راسخاً نقلته عنه شركات أخرى. كما كان يحضر بنفسه جلسات المحاكم في القضايا المهمة ويراقب مرافعات المحامين ويعلق عليها، فيقول هذا أحسن وهذا أجاد، ولكنه أبداً لا يقول هذا أساء، فهو يكتفي بمدح المميز ويترك الباقي للاستنتاج. ولقد كان من أبرز سماته الوفاء، فهو لم ينس أبداً أنه بدأ شركاته بالشركة الدولية الكويتية للاستثمار رغم ما تعرض له بسببها من صعوبات فقد كانت الشركة الوحيدة التي لم تشتر الدولة المديونيات المستحقة لها إلا بأحكام قضائية نهائية باتة. كما صدر ضدها قرار بشطبها من سجلات البنك المركزي، ولكن القضاء العادل ألغى قرار الشطب، فلجأوا إلى تصفيتها مرتين، ولكن القضاء أنصفها وألغى التصفية، ورفعت ضدها قضيتان بشهر إفلاسها، ولكن القضيتين رفضتا، وأثناء التصفية أصدر النائب العام جملة قرارات فرض فيها على الشركة لجنة تصفية تسلمت مقاليد الشركة، ولكن جاسم البحر استعاد إدارة الشركة بعد أن ألغى القضاء لجنة التصفية وغيرها.. وغيرها وهكذا خاض معارك ضارية، ولكنه انتصر في النهاية وبقيت الشركة الدولية الكويتية للاستثمار طافية على السطح رغم كل المحاولات التي بذلت لإغراقها – بقيت تخلد ذكرى جاسم البحر مع بناتها الشركات الأخرى التي تملأ الساحة اليوم وتثري الاقتصاد الكويتي.

المستشار عادل بطرس

botrosfarag@gmail.com
المصدر جريدة القبس

قم بكتابة اول تعليق

Leave a Reply

لن يتم نشر بريدك الالكتروني في اللعن


*


هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.